دراسات إسلامية

 

أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَّقُولَ رَبّيَ اللّهُ؟!

 

 

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

  

 

  

 

 

       لقد عاشت المنطقة العربية حينما سيطرت قوى اليسار >الشيوعية< على مقاليد الأمور فترة من أسوء فترات حياتها في العصر الحديث، فُتِحَتْ جروحٌ كثيرة في جسد الأمة، حيث طغى الحكم الفردي واتبع أسلوبَ العنف في فرض الرأي وقمع الرأي الآخر، فأُلْصِقَت بالأمة تهمةُ الاستبداد والديكتاتورية والفردية، وأُلْحِقَ بها عارُ التخلّف، وضُرِب الاقتصادُ القومي وهُدِرت الطاقاتُ والثروات، وهرب الرساميل الوطنية ومن قَبله اليد العاملة إلى الخارج، وأحجم الرساميل الأجنبيّة عن المساهمة في إقامة المشاريع الحيوية داخل الوطن ، فضلاً عن هزيمتنا في حربنا مع العدو الإسرائيلي . ومع انقشاع رياح اليسار بدأت الأمور في التحَسُّن فأنعم الله علينا بالنصر على العدو الإسرئيلي، وشهدت المنطقة حركة تنمية وتقدم في جميع المجالات ، وارتفع مستوى المعيشة لمعظم أبناء الأمة.

       وقد أبت فلول اليسار والتي تحالفت مع كل القوي المعادية للإسلام أن تسمح لأبناء الصحوة الإسلامية أن يتقدموا لتولي زمام الأمور ولو عن طريق ما يُسمّى بالقنوات الشرعية وصناديق الانتخابات ، خاصة بعدما شعر الناس بتحسّن ملموس ، عندما تمكن أبناء الصحوة من اعتلاء المناصب العليا في بعض الوظائف والنقابات واشتغلوا بالمشاريع الاقتصادية النافعة للمواطنين، فدبّروا لتحويل الصحوة الإسلامية إلى قضية؛ بل قضية أمن قومي ، تُهدِّد أمن الدول العربية ، مثلُها مثل قضية اغتصاب اليهود لفلسطين ومحاولتهم هدم المسجد الأقصى وتدنيسهم لسائر المقدسات الإسلامية، ومثلها مثل قضية الفقر والجهل والمرض هذا الثالوث الذي يضيق الخناق على رقاب شعوب هذه الدول يومًا بعد يوم، ومثلها مثل قضية الصراع والحروب بين الدول الإسلامية الشقيقة المتجاورة .

       لذا فقد صارت هي القضية المُدْرَجة دائمًا وأبدًا على جدول أعمال أية قمة عربية سواء على مستوى الرؤساء أو الوزراء ، وأصبح أبناء الصحوة كما لو كانوا أعدى أعداء الوطن تُحشِّد لهم كل القوى ، وتُنَسّق جهود الدول مجتمعة لمواجهتهم ، ويُستعان بالقوى الأجنبية للعمل على ضرب أماكن تجمُّعهم خارج أو داخل الوطن بصورة مستمرة، ومحاصرتهم لمنعهم من ممارسة أية أنشطة لخدمة الدعوة الإسلامية ، ومنعهم من استخدام المساجد لتربية النشء وتعليمه أمور الدين والدنيا وقصر استخدامها على الصلاة ، وا أنشطة لخدمة الدعوة الإسلامية ، ومنعهم من استخدام المساجدستبدال الأئمة الموثوق فيهم بآخرين تابعين لأجهزة الأمن ومن صنع السلطات، وغلق مدارس تعليم الدين الغير حكومية، فضلاً عن الحذف المستمر لبعض علوم الدين الضرورية من المقرَّرات الدراسية أو تقليص عدد ساعات دراستها في المدارس الحكومية، ومنعهم من إنشاء حزب ينادي بالمبادئ الإسلامية التي يحملونها ويعلنون عنها ، ثم يُطلَب منهم أن ينخرطوا في الأحزاب الموجودة وهي إما أحزاب شيوعية أو علمانية أو أحزاب قامت على مبادئ قومية تخالف مبادئ الإسلام ، وتحويل من يثبت اشتراكه في أي عمل أو نشاط إسلامي لا يروق للسلطات ، مهما كانت طبيعة ونوعية هذا النشاط، إلى القضاء العسكري لمحاكمته محاكمة عسكرية تصل أحكامها إلى الإعدام في كثير من الأحيان، مع تعرّضهم الدائم للاعتقال غير محدود الأجل والتصفية الجسدية في حالة أية مقاومة أثناء الاعتقال، أو لمجرد الاشتباه، والتعذيب البشع في المعتقلات ومنعهم من السفر والانتقال وحجز أهاليهم كأسرى أو رهائن وممارسة أقصى وسائل الضغط النفسي والبدني عليهم، ومصادرة أملاكهم وممتلكاتهم، وهدم منازلهم وتخريبها وتضييق سُبَل الرزق عليهم . ويبذل ترزيةُ القوانين كل ما في وسعهم لتفصيل قوانين تحول دون وصول أبناء الصحوة لأية مراكز قيادية أو سياسية، كما يحدث في التعديل المستمر لقوانين تنظيم العمل النقابي واتحاد الطلاب واختيار عمداء الكليات والجامعات والعمد والمشايخ ، والشروط الوظيفية للمناصب القيادية والأعمال والمهن التي تتطلب تواجدًا مع التجمّعات من طلاب أو عمال أو غيرهم من سائر فئات الشعب، وفي حالة فشل ترزية القوانين، ووصول أبناء الصحوة إلى الحكم عن طريق ما يُسمّي بالقنوات الشرعية وعبر صناديق الانتخاب، يُقَال النظام ويؤتى بآخر كما حدث في الجزائر، ليُسَدّ أمام أبناء الصحوة البابُ لتولي زمام الأمور، كما تتفانى أجهزة الأعلام في الإساءة إليهم وتشويه صورتهم وأغراضهم وتجعل منهم قتلة وسفاحين ومنتهكي أعراض وناهبي أموال ومرتكبين لجميع الموبقات .

       والمطلع على الإجراءات التي تتخذ في معظم الدول العربية لمجابهة أبناء الصحوة يتراءى له من تشابهها، كما لو كانت قصة لمؤلف واحد أو فيلم سينمائي لذات المؤلف وذات الأحداث والحبكة ونفس الأدوار مع اختلاف شخصية الأبطال، وإذا كان من أبناء الصحوة من انتهج طريق الجهاد لإقامة دولة إسلامية، منهم من انتهج أسلوب تربية النشء وتعليمه أصول الدين، ومنهم من انتهج طريق العمل الاجتماعي التطوعي وتقديم الخدمات للناس ؛ فقد لقوا جميعًا نفس التعسّف والاضطهاد من قبل الحكومات، وباستمرار المطاردة لأبناء الصحوة الإسلامية سينقسم المجتمع إلى فئتين، قلة قليلة تخفي إيمانها، وكثرة كثيرة منحرفة، لا يخجلون من انحرافاتهم ويتشرّفون بسوء سلوكياتهم ويفتخرون بها ويعلنونها على الملأ بجراءة وبدون استحياء، وسيعود بنا الأمرُ إلى ما كان عليه في أسوأ أحواله، قال تعالى (عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَّرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِيْنَ حَصِيرًا) سورة الإسراء آية 8.

       وقد حث الإسلام على مجابهة الباطل ومساندة الحق والمصابرة على أعلاه ولو كان من الحكام وأولي الأمر وقد ثبت في الحديث عن رسول الله –عليه الصلاة والسلام – أنه قال (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) ولذا وجب علينا أن نقول كما قال رجل مؤمن ظهر عندما هَمّ >فرعون< لعنه الله بقتل سيدنا >موسى< – عليه السلام – (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَّقُولَ رَبِّيَ اللهُ) غافر 28 أي أتقتلون رجلاً من أجل أنه قال ربي الله وعمل بما قال، روى البخاري في صحيحه بينما رسول الله – – يصلي بفناء الكعبة، إذا أقبل >عقبة بن أبي معيط<، فأخذ بمنكب الرسول ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل >أبوبكر< رضي الله عنه فأخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي ثم قرأ قوله – تعالى – في سورة غافر آية 28 (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَّقُولَ رَبِّي اللهُ)

       فيا ولاة أمورنا قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض فراعوا هذه النعمة، واحذروا أن تُسْلَبوا هذا الملكَ العزيز، فما تعرضت الدولة للدين إلا سُلِبُوا مُلكَهم وذلوا بعد عزهم، عن >عمر بن الخطاب< رضي الله عنه إنه قال: نحن قوم أعزّنا الله – عز وجل – بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، وفي هذه الكلمة إدراك دقيق وعميق من >عمر< – رضي الله عنه – لارتباط مجد العرب بهذا الإسلام، وهذا ما أكّدته الأيام فالعرب منذ أن أنزل الله عز وجل عليهم الإسلام، لا تجد موقف شرف لهم إلا وهو مربوط بهذا الدين، ولا تجد موقف خزي أو ذلة لهم إلا بسبب بُعدهم عن الدين؛ بل إننا نجد أن لواء الإسلام عندما تخلى عنه العرب، رفعته شعوب مسلمة غير عربية فعزّت به، مصداقًا لقوله تعالى (وَإِنْ تَتَولَّوا يَسْتَبْدِلْ قَومًا غَيْرَكُمْ ثـُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) سورة محمد آية 38 فقد رفعه السلاجقة والبوهيون والمرابطون والعثمانيون وعزوا به، وقد كانت الدولة العثمانية طيلة خمسة قرون أعظم دولة في العالم بحملها هذا الدين، ومع بداية انحرافها عن أمر الله عز وجل بدأ انهيارها. والقرآن الكريم يحكي لنا عن أمم سابقة خالفت أمر الله عز وجل؛ فحاق بها البأس والعذاب في الدنيا قبل الآخرة، فهذا ما حل بقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما وقع لفرعون وقومه فمازالوا في شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم به >موسى< حتى أخرجهم الله مما فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والنعمة والحبور، ثم حُوِّلوا إلى البحر مهانين ونُقِلَتْ أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين، قال تعالى مخبرًا عن مؤمن آل فرعون عندما حذّر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة (وَقَالَ الَّذِيْ آمَنَ يَا قَومِ إِنّي أَخَافُ عَلَيكُمْ مَثْلَ يَومِ الأَحْزَابِ مَثْلَ دَأْبِ قَومِ نُوحٍ وَّعَادٍ وَّثَمُودٍ وَّالَّذِيْنَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيْدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ وَيَا قَومِ إِنّي أَخَافُ عَلَيكُمْ يَومَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِيْنَ مَالَكُمْ مَن اللهِ مَنْ عَاصِمٍ وَمن يُّضْلِلِ اللهُ فَمَا لَه مِنْ هَادٍ) سورة غافر الآيات 30-33 ولن تغنيَ عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنكم شيئًا من بأس الله إن أرادكم بسوء، ولو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعُدة والقوة والشدة لَما نَفَعَكم ذلك ولا ردَّ عنكم بأس مالك الممالك، قال تعالى (فَمَنْ يَّنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا) سورة غافر آية 29.

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محـرم – صفـر 1428هـ = فبـراير - مارس  2007م ، العـدد : 1-2  ، السنـة : 31.

 



(*)    6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      E>ail: ash>on59@yahoo.co>